سنجار، العراق - من قرية كانت تنعم بالحركة والنشاط في الماضي إلى مشهد دمار: أسلاك الكهرباء تتدلى من أعمدة مكسورة، والآبار قد جفّت، والأزقة الصاخبة أصبحت الآن صامتة كالموتى؛ بل حتى الطيور لم يعد لها وجود. هذا هو الواقع القاتم الذي يواجه السكان العائدين إلى قريتي گر زَرك (العدنانية) والسكينية في سنجار، شمال العراق.

 غادر أهالي كلتا القريتين بسبب ما سببّه تنظيم داعش من دمار كبير بهما، وانعدام الخدمات الأساسية فيهما. إذ أنّ حجم الدمار الذي لحق بالقريتين، منعَ سكانهما من العودة إليهما لسنوات طوال. مع ذلك، ورغم الظروف المعيشية الصعبة التي تحيط بالنازحين من القريتين، الساكنين في المخيمات منذ حوالي عقد من الزمان، لم تستطع بعض الأسَر أن تقاوم نداء الديار، وعزمت على إعادة البناء على أرض أسلافها.

قرية گر زَرك، سنجار. © المنظمة الدولية للهجرة 2024/ سيڤان محمد سليم

اعتاد سليمان، وهو أب لتسعة أطفال من قرية گر زَرك (العدنانية) أن يذهب من أجل العمل إلى مدنٍ أخرى لدعم أسرته، حتى عام 2014 عندما اندلع الصراع.

"كانت قرية گر زَرك موطناً لجميع أفراد أسرتي وأقاربي. كنا نعيش متحدين، ونتقاسم سعادتنا وأحزاننا، ونساعد بعضنا البعض. كان المسلمون والمسيحيون والإيزيديون يعيشون في القرية معاً كإخوة".

كان سليمان يعمل في السليمانية عندما اقتحم داعش قريته عام 2014. وفي منتصف الليل، تلقى مكالمة محمومة من ابنه – لقد استولى داعش على المنطقة، وكانوا الأهالي يفرّون إلى جبل سنجار.

بعد تسعة أيام بلا طعام أو ماء؛ وتحت تهديد داعش المتواصل، اجتمعوا وعبروا إلى إقليم كردستان العراق بحثاً عن مأوى في مخيمات مختلفة.

سليمان ينظر من نافذة منزله المستقبلي، قرية گر زَرك، سنجار. © المنظمة الدولية للهجرة 2024/ سيڤان محمد سليم

عندما تحرر شمال سنجار جزئياً، انتقل سليمان إلى سنوني، على أمل أن يقترب من قريته. وبعد فترة وجيزة من تحريرها بالكامل، ذهب إلى مدينة سنجار، التي كانت أجزاء كثيرة منها غير صالحة للسكن بسبب دمار المساكن والبنية التحتية ونقص الخدمات الأساسية؛ حالة مختلفة تماماً عن المركز المزدهر والحيوي للمجتمع الإيزيدي في العراق.

"كان من الصعب جداً، توفير احتياجات المعيشة لعشرة أشخاص. كنت أزور قريتي المدمّرة من وقت لآخر، حتى قررت أن أقيم في خيمة بجوار منزلي المدمّر، مع العديد من أفراد الأسرة".

في ذلك الوقت علمَ سليمان لأول مرة بالمنظمة الدولية للهجرة، وتأهل لبرنامج دعم المأوى الذي تديره المنظمة الدولية للهجرة. ويهدف هذا البرنامج إلى تشجيع الأهالي الذين تعرضت منازلهم لأضرار متوسطة أو شديدة، أو دُمرّت بالكامل؛ على تولي زمام المبادرة في إعادة البناء. يحث يتلقون التوجيه ودعم مراقبة الجودة من مهندسي المنظمة الدولية للهجرة، الذين يساعدونهم في وضع خطة بناء قابلة للتكيّف وذات مراحل إنجاز رئيسية. وعند الانتهاء من كل مرحلة، يتلقى أصحاب المنازل قسطاً من المنحة، للانتقال إلى المرحلة التالية من إعادة البناء. وبعد حصوله على المستندات الأساسية اللازمة لإضفاء الطابع الرسمي على ملكية الأرض، بدأ سليمان رحلة إعادة الإعمار، ووضع الأساس لمستقبل أكثر إشراقاً.

منزل سليمان الجديد الذي سيُبنى قريباً، قرية گر زَرك، سنجار. © المنظمة الدولية للهجرة 2024/ سيڤان محمد سليم

"قبل هجوم داعش، كنا نعيش حياة جيدة بفضل الأراضي الزراعية الخصبة ورعي الماعز. كان ذلك مصدر رزقنا"، تتذكر كوري حسن، من قرية السكينية، وهي أمّ لأربعة أطفال، تبلغ من العمر 49 عاماً. وعلى شاكلة سليمان، أمضَت هي وعائلتها سنوات في النزوح، واجهوا خلالها العديد من التحديات، وحُرِموا من الاستقرار.

ازداد وضع كوري سوءاً بعد وفاة زوجها، الذي كان يعاني من مرض القلب؛ الأمر الذي ألقى على عاتقها عبئاً ثقيلاً تمثل في إعالة أسرة كاملة بمفردها. لكن كوري لم تستسلم، رغم تلك الصعوبات. وبعد تسع سنوات من نزوحها وعيشها في أحد مخيمات دهوك، اتخذت كوري قرارها الشجاع بالعودة وإعادة بناء حياتها وأسرتها حيث تنتمي حقاً.

كوري حسن، السكينية، سنجار© المنظمة الدولية للهجرة 2024/ سيڤان محمد سليم

خلال الأشهر القليلة الأولى بعد عودتهم إلى السكينية، عاشت كوري وأسرتها مع أقاربها، وتقاسموا مواردهم. حيث ساعدها أقاربها في بناء منزلها، وعلى اتخاذ الخطوة الأولى نحو بداية جديدة. ولحسن حظّها، تأهلت كوري، مثل سليمان، للحصول على دعم المأوى من قبل المنظمة الدولية للهجرة، ووافقت على المشاركة في البرنامج، مما سمح لها بإكمال إعادة التأهيل والانتقال إلى منزلها الخاص.

منزل كوري القديم، قرية السكينية، سنجار. ©المنظمة الدولية للهجرة 2024/ سيڤان محمد سليم

"لدينا الآن ثلاث غرف ومطبخ. لقد أدى استعادة الكهرباء والوصول إلى بئر قريبة إلى تحسين حياتنا"، يتنهّد حامد، نجل كوري، بارتياح.

يقول حمید الذي قضى نصف حياته في المخيمات: "على الرغم من افتقارنا إلى العديد من الأشياء هنا، فإن هذا هو موطني. حتى أفضل المخيمات لا يمكن مقارنتها أبداً بالشعور بالانتماء والفخر الذي تشعر به في منزلك الذي بنيته بيديك".

حميد، ابن كوري، قرية السكينية، سنجار. © المنظمة الدولية للهجرة 2024/ سيڤان محمد سليم

وبينما يقومون بإعادة بناء منزلهم، تعيد كوري وأسرتها تدريجياً مباشرة روتينهم اليومي: "رغم أن حياتنا لم تعد كالسابق، لكننا نجد السعادة في قدرتنا على الصمود. عاد أطفالي إلى المدرسة والعمل. ونسافر بانتظام إلى القرى المجاورة لشراء ما نحتاجه".

كوري وأطفالها في ساحة منزلهم، قرية السكينية، سنجار. © المنظمة الدولية للهجرة 2024/ سيڤان محمد سليم

بفضل جهود المنظمة الدولية للهجرة ودعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في ترميم المساكن، إلى جانب الدعم المقدم من حكومة هولندا ومكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية للخدمات الأساسية، عادت 119 أسرة إلى گر زَرك، و73 أسرة إلى السكينية، مما أدى إلى بث حياة جديدة في هاتين القريتين. 

تم إصلاح شبكات الكهرباء في قرية السكينية، سنجار. ©المنظمة الدولية للهجرة 2024/ سيڤان محمد سليم

تبقى المنظمة الدولية للهجرة ملتزمة بتقديم الدعم اللازم للسكان العائدين من أهالي هذه القرى؛ من حيث السكَن وتحسين أو استعادة الوصول إلى الخدمات الأساسية، كالماء والكهرباء، والمناصرة من أجل إعادة فتح المدارس والمركز الصحي، ومعالجة احتياجات سبل العيش.

 

أقرأ باللغة الكردية